عودة المرحوم
مر على سفره إلى العراق عقدين من
الزمن؛ حدث خلالهما من الأحداث الجسام؛ ما تشيب له الولدان؛ غير أن مبروك كان
مباركاً له في عمره؛ ظل على قيد الحياة متنقلاً من بغداد إلى تكريت و منها إلى كركوك و منها إلى
الموصل؛ تاركاً خلفه زوجته في شهرها الأخير من الحمل...
و ها هو الآن قد بدأ رحلة العودة إلى
وطنه الحبيب؛ متشوقاً لرؤية زوجته و ابنه أو ابنته؛ بعد تلك السنوات الطوال؛ التي انقطعت خلالها الأخبار؛ فاعتبروه قد فارق الحياة؛ خلال ما لاقته بلاد الرافدين من حروب و أهوال...
اضطرت الزوجة منذ سنوات للجوء إلى
القضاء؛ لتحصل على الطلاق؛ ثم تزوجت من
غيره؛ دون أن يصل هذا الخبر إلى علمه... أما ابنته فقد بلغت العشرين من عمرها، و لم
تكمل تعليمها الجامعى، وتزوجت بالقرب من امها...
هبطت الطائرة إلى أرض الوطن؛ تنفس
الصعداء، حمداً لله على اقتراب موعد اللقاء، و شعر بسعادة غامرة؛ قطعها عليه صوت
الميكرفون الداخلي:
ـ مبروك حنضل الحلوانى؛ يكلم ضابط
الجوازات
ذهب إليه و هو يضرب أخماساً في أسداس:
ـ نعم يا سيادة الرائد... أنا مبروك
ـ هل أنت متأكد؟!
أجابه باندهاش و تعجب:
ـ نعم... لقد انتهت صلاحية جواز سفري،
و استخرجت من السفارة المصرية في بغداد هذه الوثيقة، و حجزت تذكرتي بها... فما
المشكلة في هذا؟!
ـ المشكلة أن مبروك حنضل الحلوانى؛ قد
غادر الحياة منذ سنوات... أنا متأكد من هذا.
تعجب مبروك، و ضحك ضحكات هستيرية، ثم
توقف عنها فجأة و سأله:
ـ ما الذى يجعلك تؤكد وفاة مبروك حنضل
الحلوانى؟!
ـ لأننى ببساطة؛ زوج ابنة المرحوم.