قراءة فـي خمسة نصوص من المجموعة
(1) قصة حب ـ (2) البيان السابق ـ (3) الفريق المنافس ـ (4) المائدة
المستديرة ـ (5) الثأر
------------------------------------------------
------------------------------------------------
------------------------------------------------
بقلم الكاتب
والناقد الكبير محسن الطوخى
(1) في قراءته لقصة ( قصة حب) كتب:
بصراحه... لو كنت صاحب هذه القصه. وكنت أنفقت ساعات ست فى كتابة القصة.
ومراجعتها, وتصحيحها, وتعديلها. حتى تكتمل, ثم ينقطع التيار الكهربى قبل أن
يتاح لى حفظها, فتضيع, إنها لمحنة... تحدث مواقف مشابهة مع أغلب الكتاب. لكنها
غالبا ماتحدث مع مسودات. أو بروفات، أو خواطر. ونادرا ماتحدث مع أعمال متكاملة
أنفق فيها الكثير من الوقت والجهد... الكاتب ماأن انتهى من القصة حتى استدرجته
أحلامه بالجائزة الأولى وألهته عن المسارعة الى حفظ القصة فى ملف. حتى عاجلة
التيار الكهربائى بالانقطاع. فأفاق من أحلامه على ضياع القصة. فلا هو أحرز
الأولى. ولا أحرز الثانية. ولا احتفظ حتى بقصته. هذا فيما يتعلق بالمستوى
الخارجى للقص. وهى حكاية على قسوتها ممتعة, ولربما تتضمن درسا لأصحاب الهمم. أن
لا تجعل شيئا يليهيك عن هدفك الى أن تنجز الأمر بتمامه. والا ضاع جهدك سدى.
فتعود بخفى حنين . ويضيع منك عنب اليمن وبلح الشام كليهما. أما على مستوى باطن
النص فهو يقدم لنا نموذجا لظاهرة شائعة فى المعاملات والأنشطة الانسانية عموما.
وهى أنصاف الأشياء, كم من أنشطتنا فى الحياة, وأوجه معاملاتنا استغرقت منا
الجهد الكثير. ثم انتهى الجهد دون تمام الشوط. القصة تقدم لنا أحد الأسباب, وهو
الزهو والاستغراق فى الأحلام. لكن للظاهرة أسباب عديدة, بتعدد البشر. قد يشغلنا
نشاط آخر فنتحول اليه قبل انتهاء ما نحن بصدده. وقد تقعد بنا الهمة . وقد يصيبنا
الملل. وقد نيأس من احراز التفوق. وفى جميع الحالات يضيع الجهد لعدم اكتمال
النشاط الى غايته. من عناصر تميز العمل الأدبى أن يتضمن مستويات مختلفة للقص.
وأن يتضمن قيمة انسانية. وقصتك صديقى مجدى شلبى نموذج لذلك النوع من القص.
تحياتى لك مع دوام التوفيق.
(2) وفى قراءته لقصة (البيان السابق) كتب:
"حدث
فانتازى ممتع للذهن. يغادر الأموات قبورهم, ويصاحبون أولادهم وأحفادهم إلى
مكاتب المسئولين اعتراضا على مزاحمة الأحياء للأموات فى مساكنهم. المفارقة بين
المكاتب المكيفة الناعمة, وبين الهياكل العظمية العارية المتربة ترسخ للجو
الفانتازى , وتشيع الحيوية فى المشهد. ينزعج المسئول من الفوضى, وفى سعيه
لامتصاص غضبة المتظاهرين يلتقط بيانا كان قد أعده سلفه الأستاذ مسعود, اعتاد أن
يستخدمه بوعوده البراقة الخالية من الصدق أو المضمون لتخطى أزمات مشابهة. لعله
أشار لهم طالبا الهدؤ. وقبل أن يشرع فى تلاوة البيان يرى الأستاذ مسعود بهيكله
العظمى وسط جمهرة الموتى المعترضين. فتتحقق المفارقة ويرسخ المعنى. ذاق الأستاذ
مسعود من كأس الإهمال التى جرعها سابقا لسواه, وقمة المفارقة أن نفس البيان الذى
استخدمه سابقا لتخدير المطالبين بحقوقهم. سيتلى علية الآن وقد ثار معترضا على
الاجحاف. نفس العبارات المنمقة الخالية من المعنى. الجو الغرائبى الذى يمثل
الواقعية السحرية صيغ بمهارة وتلقائية نجحت فى دمج الواقعلى مع المستحيل بلا تكلف. عبارة ( رآه بينهم موجودا ) فى ظنى هى النهاية الطبيعية للقصة. العبارات التى
جاءت بعدها لخصت التجربة التى استحضرتها ذائقة القارىء بشكل مباشر وتقريرى.
استمتعت بالقصة وأدهشتنى الفكرة .. تحياتى لك أخى الأديب مجدى شلبى".
(3) وفى قراءته لقصة (الفريق المنافس) كتب:
"أرى
فى قصتك الطريفة بعدا سياسيا. الغريب أن المشهد الرائع الذى صورته يدور حاليا
على الساحة السياسية بمصر, فنرى جميعا فريقا لا يكف عن احراز لأهداف. بينما
الفريق الآخر يقدم له الفرصة تلو الأخرى لتسجيل المزيد. ولا يتوانى أحيانا عن
تسجيل الأهداف بنفسه فى مرماه. الجزء من القصة الذى لم يحدث بعد. هو أن يتحول
المشجعون أيضا من تشجيع فريقهم الى تشجيع الفريق المنافس. هل هذه نبؤة أخى مجدى
ونحن على أعتاب المباراة النهائية؟. بقى أن أشير الى سردك الجميل, ولغتك السلسة. والتكثيف الرائع للفكرة. تحياتى لك".
(4) وفى قراءته لقصة (المائدة المستديرة) كتب:
"المرجعيات
الجنسية للشكل الدائرى عند فرويد أوحت للصديق الجميل مجدى شلبى بهذه القصة الجميلة. والشخصية هى نموذج للمريض النفسى الذى يلجأ للتبرير. وهو نوع من الآليات
العقلية التى ترمى إلى مواراة النزعات الخبيثة عن طريق المغالطة. فالميل الى
ملاحظة الأشياء الدائرية ولانتباه القسرى اليها يثير القلق لديه, وبدلا من اللجؤ
الى الطرق العلاجية المناسبة يلقى بالائمة على الخباز. ويقرر أن يذهب اليه
ليجبره على تغيير الشكل الدائرى الذى يصنع به الخبز. المفارقة التى تثير التأمل
وتدفع المتلقى الى مراجعة موقفه من الشخصية, هى أنه لدى وصوله الفرن انتبه الى
الأشكال الاسطوانية للمخبوزات , فعاد الى مائدته صاغرا. أعتقد أن لإغراء الذى
وقع فيه مجدى شلبى فلجأ الى تكنيك النكتة كان على حساب تطور الحدث. يمكن للنهاية
أن تصنع عاصفة من الضحك اعتمادا على المفارقة . فرويد نفسه فى كتابه الممتع (
الضحك ). اعتمد المفارقة كأقوى سبل الإضحاك. لكنها - النهاية - أوقعت الشخصية
فى التناقض. اذ تأثرت ايجابيا بالمتناقضين. تحياتى أخى العزيز مجدى شلبى بقصتك
الممتعة.".
(5) وفى قراءته لقصة (الثأر) كتب:
"يقول
أهلنا ( وقوع البلاء ولا انتظاره ) دلالة على قسوة توقع الخطر الى الدرجة التى
يصير فيها تحققه أقل وطة على النفس الإنسانية. وصحبنا البواب يجسد تلك الحالة
المريرة. فهو يحيا منذعشرة أعوام مترقبا الخطر الداهم المتمثل فى مباغتته من قبل
أهل القتيل المطالبين بالثأر. وطبيعى أن تتزايد هواجسه بعد أن مات شقيقه (
القاتل ) قبل انتهاء فترة سجنه, وصار هو المرشح للأخذ بثأر القتيل. يتوهم البواب
المسكين أن مجموعة من عمال التراحيل الذين تجمعوا بشكل عارض أمام العمارة هم
غرمائه, وقد أتوا لقتله فيصاب بالذعر. لقطة بارعة من الأديب مجدى شلبى. أشعر
فى تنوع قصصك أخى مجدى أن عينك مصوبة على الشارع. وعلى الفئات المتباينة التى
تشكل نسيج المجتمع المصرى. وتميزك بتلك العين اللاقطة يثرى عالمك القصصى بتنوعه .
وتلك ميزة قلما تتوفر فى أديب الا إذا كان يدرك رسالة الأدب والفن عموما. أثرت
بأسلوبك الشيق وسردك الممتع قضيتين فى غاية الخطورة والأهمية. أولاهما قضية
الثأر بما لها من تأثير مدمر على مجتمع الصعيد. والريف بشكل عام, فهى إضافة الى
الضغائن والأحقاد التى ترسخها بين العائلات. تجرف المجتمع الريفى من أفضل عناصره
البشرية. إذنعلم أن الثأر غالبا مايستهدف أبرز وأنبه الشباب إشفاء للغليل. ولكى
تكون خسارة أهل القاتل فادحة بقدر الإمكان. أما القضية الثانية فرغم أنها وردت
بشكل عابر غير مباشر فى اشارتك الى عمال التراحيل. والمتأمل يدهش من كون مصر التى
نتشدق بتحضرها ورفعتها وموها لازالت تسمح بوجود تلك الفئة من العمالة غير المنتظمة. ويكفى للتدليل على مافى تلك الظاهرة من امتهان لكرامة الانسان المصرى أن نعرف أن
المكان الذى يتجمع فيه هؤلاء العمال فى انتظار أحد المقولين لانتقاء من يرغبهم
لاسناد عمل يدوى يومى اليهم . يسمى ( سوق الرجال ). وقد كتب الراحل يوسف أدريس
روايته الحرام ليسجل معاناة تلك الفئة المطحونة المهمشة. وكتب عنهم أيضا الراحل
خيرى شلبى. ومجرد اشارتك اليهم يعنى وضعهم فى حيز الرؤية. تحياتى لقلمك الرشيق,
ولأدبك الراقى .".